في حوارٍ أخير مع بودكاست "All-In" كشف سوندار بيتشاي - الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت (الشركة الأم لجوجل) عن أحد أبرز الفرص الضائعة التي لا تزال تشغل باله حتى اليوم: قرار الشركة بعدم المضي قدمًا في صفقة استحواذ محتملة على عملاق البث الرقمي نتفليكس وأوضح بيتشاي أن المناقشات الداخلية حول هذه الصفقة بلغت مراحل متقدمة حيث قال: «في مرحلة ما، خضنا نقاشاتٍ جدية للغاية حول نتفليكس وكنا قريبين جدًا من التوصل إلى اتفاق» وهذه الإفادة تفتح الباب أمام تساؤلاتٍ عديدة حول كيف كانت ستبدو خريطة صناعة الترفيه الرقمي لو اكتملت هذه الصفقة خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها الصناعة اليوم.
بيتشاي الذي انضم إلى جوجل عام 2004 وتولى قيادتها منذ عام 2015 أشار إلى أن عمليات الاستحواذ الكبرى مثل نتفليكس كانت تخضع لتحليلاتٍ دقيقة من حيث الجدوى الاستراتيجية والقدرة على دمج الخدمات ضمن منظومة جوجل وعلى الرغم من أن توقعاتٍ سابقة لمؤسسة "CCS Insight" عام 2014 أشارت إلى أن جوجل قد تستحوذ على نتفليكس بحلول 2015 إلا أن هذه الصفقة لم تتحقق لتبقى نتفليكس كيانًا مستقلاً ينمو مع الوقت حتى تجاوز عدد مشتركيه 300 مليون بحلول 2025.
من جهةٍ أخرى حاولت جوجل تعويض هذا الغياب عبر إطلاق خدمات مثل "Google TV" و"YouTube TV" لكنها لم تنجح في منافسة نتفليكس في مجال البث التقليدي حيث حافظ الأخير على هيمنته بفضل استثماراته الضخمة في المحتوى الأصلي القائم على تحليلات البيانات والتي تجاوزت قيمتها 20 مليار دولار سنويًا وفي المقابل ركزت جوجل على تعزيز حضورها في مجالاتٍ أخرى مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية حيث أعلنت في مؤتمرها السنوي Google I/O 2025 عن إطلاق تقنيات مبتكرة مثل Gemini AI وBubble Bar والتي تهدف إلى إعادة تعريف تفاعل المستخدم مع الأجهزة الذكية.
لا يمكن فصل حديث بيتشاي عن نتفليكس عن التحديات الاستراتيجية التي تواجهها جوجل في ظل المنافسة المتزايدة من شركات مثل مايكروسوفت التي بدأت تستكشف بدورها فرص الاستحواذ على نتفليكس كجزءٍ من استراتيجيتها للتوسع في قطاع الترفيه والألعابز ففي عام 2024 كشفت تقارير عن مفاوضاتٍ مبكرة بين مايكروسوفت ونتفليكس مدعومة بعلاقاتٍ قائمة بين الطرفين مثل تعيين براد سميث رئيس مايكروسوفت في مجلس إدارة نتفليكس وهذه الخطوة تُظهر إدراك الشركات التقنية لأهمية المحتوى الترفيهي كعامل جذبٍ رئيسي للاحتفاظ بالمستخدمين خاصة مع تحول المنصات الرقمية إلى مساحاتٍ متكاملة للعمل والترفيه.
![]() |
جوجل كادت تستحوذ على نتفليكس |
من ناحيةٍ أخرى تواجه جوجل ضغوطًا متزايدة للحفاظ على هيمنتها في مجال البحث الإلكتروني حيث أشار المحلل جين مونستر إلى أن إيرادات البحث التابعة للشركة نمت بنسبة 10% في الربع الأول من 2025 لكنها لا تزال تواجه منافسة شرسة من منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وClaude التي توفر إجابات فورية بدلًا من قوائم الروابط التقليدية وهذا التحول دفع جوجل إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق في خدماتها كما ظهر في ميزة AI Overviews التي تقدم ملخصاتٍ مكثفة للمستخدمين مباشرةً في صفحة النتائج.
يأتي حديث بيتشاي عن الفرص الضائعة في وقتٍ تحقق فيه نتفليكس قفزاتٍ مالية غير مسبوقة حيث ارتفع سهم الشركة بنسبة 13% في يناير 2025 بعد الإعلان عن تجاوز عدد المشتركين حاجز الـ300 مليون مدعومًا بنمو إيرادات الربع الرابع إلى 10.25 مليار دولار وهذه الأرقام دليل استراتيجية نتفليكس القائمة على الاستثمار في المحتوى المتنوع وتجربة المستخدم والتي جعلتها في موقعٍ يصعب استبداله حتى بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا.
في المقابل تظهر البيانات المالية لألفابت أن إيراداتها بلغت 90.23 مليار دولار في الربع الأول من 2025 بزيادة 12% عن العام السابق مع نمو إيرادات البحث إلى 50.7 مليار دولار لكن هذه الأرقام تخفي تحديًا أساسيًا يتمثل في الحاجة إلى ابتكار مصادر دخل جديدة تدعم النمو طويل الأمد خاصة مع اشتداد المنافسة في قطاعات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وهنا تبرز أهمية القرارات الاستراتيجية مثل عمليات الاستحواذ والتي كان من الممكن أن تغير مسار جوجل لو تمت صفقة نتفليكس.
قصة جوجل ونتفليكس تقدم دروسًا مهمة حول ديناميكيات صناعة التكنولوجيا والترفيه فمن ناحية تظهر كيف أن الفرص الضائعة يمكن أن تصبح نقاط تحول في مسار الشركات خاصة في قطاعٍ سريع التغير مثل التكنولوجيا ومن ناحية أخرى تعكس أهمية التوقيت في عمليات الدمج والاستحواذ حيث أن تأخر جوجل في استغلال فرصة الاستحواذ على نتفليكس أتاح للشركة النمو بشكلٍ مستقل بينما اضطرت جوجل إلى بناء خدماتها من الصفر.
اليوم ومع تحول معركة الترفيه الرقمي إلى التركيز على دمج التقنيات الناشئة مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي تبدو المنافسة أكثر تعقيدًا من أي وقتٍ مضى فجوجل تعمل على تطوير تقنيات مثل Bubble Bar التي تسمح بتصغير التطبيقات إلى فقاعات عائمة بينما تستثمر نتفليكس في ألعاب الفيديو كجزءٍ من استراتيجيتها للتوسع الأفقي.