في تطورات تعكس تصاعد التوتر بين العاملين في قطاع التكنولوجيا والشركات الكبرى كشفت صحيفة فاينانشال تايمز عن تحرك غير مسبوق لنحو 300 موظف من شركة ديب مايند (DeepMind) التابعة لجوجل في لندن لتشكيل نقابة عمالية بالتعاون مع اتحاد عمال الاتصالات (CWU). هذه الخطوة تأتي في سياق تصاعد الاستياء بين الموظفين بعد قرار غوغل الشهير بإزالة بند الالتزام بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية أو مراقبة من موقعها الرسمي.
الأزمة تفاقمت بعد الكشف عن تعاون غوغل مع الجيش الإسرائيلي عبر عقد سحابي قيمته 1.2 مليار دولار وهو ما أثار سابقاً احتجاجات داخلية بين موظفي الشركة. مصادر مطلعة ذكرت أن بعض أعضاء الفريق يشعرون بأنهم "خدعوا" حيث قدم خمسة موظفين على الأقل استقالاتهم احتجاجاً على هذه التطورات. وتجدر الإشارة إلى أن ديب مايند توظف قرابة ألفي شخص في بريطانيا وحدها.
وفي رد رسمي أكد متحدث باسم جوجل للصحيفة البريطانية أن الشركة "تشجع الحوارات البناءة والمفتوحة مع جميع الموظفين" لكنه لم يعلق مباشرة على جهود التأسيس النقابي. هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها قطاع التكنولوجيا تحركات نقابية فقد سبق لمجموعة صغيرة من موظفي جوجل وألفابت قرابة 200 شخص تشكيل اتحاد عمالي لكنه بقي محدود التأثير بسبب ضعف التمثيل العددي.
من الناحية التاريخية تمثل هذه التطورات اختراقاً في ثقافة قطاع التكنولوجيا الذي ظل لسنوات حصيناً ضد التنظيم النقابي. محللون يرون أن القضية تتجاوز الخلافات الداخلية لتلامس إشكالية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وحدود التعاون بين الشركات التكنولوجية والمؤسسات العسكرية. الوضع في ديب مايند - الشركة الرائدة في أبحاث الذكاء الاصطنيعي التي اشترتها جوجل عام 2014 - يكتسب أهمية خاصة نظراً لدورها المحوري في تطوير تقنيات قد تستخدم في مجالات حساسة.
![]() |
موظفو DeepMind في لندن يسعون لتشكيل نقابة |
من جهة أخرى يثير هذا التحرك أسئلة حول مستقبل علاقات العمل في وادي السيليكون حيث بدأت تظهر علامات تحول في موازين القوى لصالح الموظفين الذين أصبحوا أكثر جرأة في المطالبة بحقوقهم والتعبير عن مواقفهم الأخلاقية. الخبراء يشيرون إلى أن نجاح مساعي التأسيس النقابي في ديب مايند قد يشكل سابقة تؤثر على شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى خاصة في ظل تصاعد النقاش العالمي حول ضرورة تنظيم عمل الذكاء الاصطناعي ووضع ضوابط أخلاقية لاستخداماته.
وفي سياق متصل تتعارض هذه التطورات مع الصورة التقليدية لشركات التكنولوجيا كبيئات عمل ليبرالية وتقدم مزايا سخية لموظفيها مقابل ولائهم وابتعادهم عن النشاط النقابي ولكن واقع الحال يشير إلى تغير هذه المعادلة مع تنامي وعي العاملين في القطاع بقدرتهم على التغيير خاصة أولئك الذين يمتلكون مهارات عالية ويصعب استبدالهم.
ومن الناحية القانونية يواجه الموظفون في بريطانيا تحديات أقل مقارنة بنظرائهم الأمريكيين في تنظيم أنفسهم نقابياً حيث تتيح القوانين البريطانية مرونة أكبر في هذا المجال. هذا العامل قد يفسر سبب بدء الحركة في لندن بدلاً من المقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة.
في الخلفية تبرز معضلة أعمق تتعلق بمسؤولية الشركات التكنولوجية تجاه المجتمع فبينما تطور تقنيات قد تغير وجه البشرية يصر جزء متزايد من موظفيها على ضرورة وضع اعتبارات أخلاقية فوق حسابات الربح. هذه الديناميكية الجديدة قد تعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا في السنوات المقبلة حيث لم تعد القرارات خاضعة فقط لرؤية المدراء التنفيذيين بل أصبحت تخضع لرقابة داخلية من القوى العاملة ذاتها.