الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على جوجل وإكس

في ظل تصاعد التوتر الملحوظ بين الاتحاد الأوروبي (EU) وشركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة تلوح في الأفق احتمالية فرض عقوبات جديدة على شركتي غوغل (Google) وإكس (تويتر سابقًا). يأتي هذا التصعيد بعد أيام قليلة فقط من تغريم الاتحاد الأوروبي لشركتي آبل وميتا مبلغاً ضخماً وصل إلى 700 مليون يورو بسبب انتهاكهما الصريح لـ قانون الأسواق الرقمية (DMA) وهذه الخطوة الحاسمة تشكل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية أوروبية أوسع تهدف إلى تنظيم عمل عمالقة التكنولوجيا وفرض سيادة القانون الرقمي بشكل فعال في الفضاء الأوروبي.

تتخذ المفوضية الأوروبية موقفاً حازماً تجاه غوغل متهمة إياها بممارسات احتكارية متعددة ومن أبرز هذه الممارسات سيطرتها شبه الكاملة على سوق الإعلانات الرقمية من خلال أدواتها القوية مثل Google Ads الأمر الذي يحد بشكل كبير من فرص المنافسين الجادين في هذا المجال الحيوي. كما تشير الاتهامات الموجهة إلى غوغل بوضوح إلى أنها تقيد خيارات المستهلكين من خلال جعل خدماتها الأساسية مثل متصفح كروم تطبيقات افتراضية مثبتة مسبقاً في أجهزة أندرويد. الجدل الدائر حاليًا في أروقة بروكسل يتجاوز بكثير مجرد مسألة الغرامات المالية حيث تدرس بروكسل بجدية إمكانية إجبار غوغل على بيع أجزاء رئيسية من أعمالها في مجال الإعلانات الرقمية وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ قضايا مكافحة الاحتكار.

أما بالنسبة لشركة إكس المملوكة لرجل الأعمال البارز إيلون ماسك، فإنها تخضع لتدقيق أوروبي مكثف بسبب انتهاكات مزعومة لـ قانون الخدمات الرقمية (DSA) وتتعلق الاتهامات الرئيسية بشكل أساسي بإدارة المحتوى على المنصة وانتشار المعلومات المضللة بشكل مقلق بالإضافة إلى تقارير موثوقة تشير إلى نقص كبير في الشفافية فيما يتعلق بآلية عمل خوارزميات التوصية واتهامات صريحة بترويج المحتوى المثير للجدل وتأتي هذه التحقيقات في إطار سعي الاتحاد الأوروبي الحثيث لفرض معايير أكثر صرامة ووضوحًا فيما يتعلق بالشفافية وإدارة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار.

الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على جوجل وإكس
الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على جوجل وإكس

لم يتأخر الموقف الأمريكي من هذه التطورات الأخيرة في الظهور علنًا حيث وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه العقوبات المحتملة بأنها شكل واضح من أشكال "الابتزاز الاقتصادي" مهددًا بالرد بشكل حاسم على هذه الخطوات من خلال فرض تعريفات جمركية جديدة على المنتجات الأوروبية. ومن جهتها أكدت - تيريزا ريبيرا - المسؤولة البارزة عن ملف مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي أن القوانين الأوروبية تطبق بإنصاف وشفافية كاملة بغض النظر عن جنسية الشركات المعنية مشددة على أن "الامتثال للقيم الأوروبية ليس مساومة قابلة للتفاوض".

خلف هذه المواجهة المتصاعدة تكمن استراتيجية أوروبية واضحة المعالم تهدف بشكل أساسي إلى كسر احتكار ما يسمى بـ "حراس البوابات الرقمية" وهم مجموعة محددة من شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة التي تسيطر بشكل كبير على نسبة تصل إلى 80% من سوق التطبيقات و الدفعات الرقمية في أوروبا. يمثل قانون DMA محاولة أوروبية جادة لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من النمو والمنافسة بشكل عادل من خلال إجبار العمالقة التكنولوجيين على فتح أنظمتها والسماح بتثبيت متاجر تطبيقات بديلة ومنع التفضيل الذاتي لخدماتهم في نتائج البحث.

تطرح هذه التطورات المتسارعة تساؤلات مهمة وعميقة حول تأثيرها المحتمل على المستخدمين العاديين فمن الممكن جداً أن تؤدي هذه الإجراءات التنظيمية إلى تغييرات جوهرية في نمط الخدمات التي اعتاد عليها المستهلكين بما في ذلك الاحتمال الوارد لفرض رسوم على خدمات كانت تقدم مجانية في السابق كما أن تصاعد التوتر التجاري الحاصل بين الطرفين قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية أوسع نطاقاً.

في المحصلة النهائية يواصل الاتحاد الأوروبي سعيه الحثيث لفرض سيادته الرقمية ووضع معاييره التنظيمية رغم الضغوط الأمريكية المتصاعدة. العقوبات المحتملة على غوغل وأكس قد تشكل نقطة تحول حاسمة في هذه المعركة واختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على المضي قدمًا في مسيرتها لتنظيم الفضاء الرقمي وفقًا لرؤيتها وقيمها.

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم