في عالم التكنولوجيا السريع التطور تشهد سباق الذكاء الاصطناعي بين الشركات الكبرى تصاعدًا ملحوظًا حيث كشفت تقارير حديثة عن أرقام مذهلة في انتشار خدمات الذكاء الاصطناعي. وبحسب تقرير نشرته صحيفة The Information استنادًا إلى بيانات مقدمة في قضية مكافحة الاحتكار ضد شركة جوجل فإن نموذج الذكاء الاصطناعي Gemini التابع للشركة تمكن من الوصول إلى 350 مليون مستخدم نشط شهريًا بحلول شهر مارس الماضي وهذا العدد الهائل من المستخدمين يعادل عدد سكان دول كبيرة بأضعاف مثل ألمانيا ويظهر هذا العدد مدى الانتشار السريع لهذه التقنيات حتى في الأسواق الناشئة.
لم يكن هذا النمو مفاجئًا تمامًا فقد شهدت خدمات الذكاء الاصطناعي لجوجل ارتفاعًا حادًا في الاستخدام منذ بداية عام 2024 الميلادي حيث سجلت فقط في شهر أكتوبر الماضي وجود 9 ملايين مستخدم نشط يوميًا ولكن هذا الرقم قفز بشكل مذهل إلى 35 مليون مستخدم يوميًا خلال الشهر التالي ما يشير إلى زخم غير مسبوق في تبني هذه التكنولوجيا وهذا التسارع يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها جوجل لدمج Gemini في منصاتها المختلفة ومنصات الشركاء مثل متصفح كروم وهواتف سامسونج الذكية وهو ما ساهم بشكل مباشر في زيادة عدد المستخدمين.
لكن المفاجأة الحقيقية تكمن في المنافسة حيث كشفت بيانات من مصادر متعددة أن خدمة ChatGPT التابعة لشركة OpenAI تحقق أرقامًا أكثر إبهارًا مع تقدير عدد مستخدميها النشطين شهريًا بنحو 600 مليون شخص. كما أشار مارك زاكربرغ - مؤسس شركة ميتا، إلى أن منصتهم Meta AI تقترب بسرعة من حاجز 500 مليون مستخدم شهريًا وهذه الأرقام تضع جوجل في موقع متأخر نسبيًا مقارنة بمنافسيها خاصة مع اختلاف معايير حساب المستخدمين النشطين بين الشركات الأمر الذي يجعل من الصعب الحصول على مقارنة دقيقة بينها ومع ذلك فإن التكامل العميق لـ Gemini مع أنظمة التشغيل والأجهزة الذكية يمنحه ميزة إضافية في الحفاظ على هذا النمو.
إذا نظرنا إلى العوامل التي ساهمت في هذا النجاح نجد أن التوافر أو التكامل مع الأجهزة المحمولة يمثل عنصرًا حاسمًا فعلى سبيل المثال تعاون جوجل مع شركات تصنيع الهواتف الكبرى مثل سامسونج لدمج Gemini في واجهات المستخدم الخاصة بهواتف Galaxy سهل على المستخدمين الوصول إلى الخدمة دون الحاجة إلى تنزيل تطبيقات منفصلة. كما لعبت التحسينات المستمرة في أداء النموذج دورًا كبيرًا حيث تم تدريب الإصدارات الأحدث على معالجة المهام المعقدة مثل كتابة الأكواد البرمجية وتحليل البيانات بسرعة ودقة أعلى.
![]() |
Gemini يصل إلى 350 مليون مستخدم في سباق الذكاء الاصطناعي |
لكن ما الذي يفسر تأخر جوجل مقارنة بالمنصات الأخرى؟ يرى بعض المحللين أن التركيز المبكر لجوجل على البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي أدى إلى تأخير دخولها السوق بشكل تنافسي بينما استغلت شركات مثل أوبن أيه آي وميتا الفرصة للقفز إلى المقدمة عبر تقديم حلول جاهزة للمستخدمين النهائيين بالإضافة إلى ذلك فإن التحديات التنظيمية التي تواجهها جوجل في قضايا الاحتكار قد أثرت على قدرتها على التوسع بحرية في بعض الأسواق.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة جودة الخدمة فحسب بل أيضاً مدى قبول الجمهور لها ففي دراسة أجرتها مؤسسة بيو للأبحاث (Pew Research Center) في الربع الأول من عام 2024 وجد أن 68% من المستخدمين الذين جربوا خدمات الذكاء الاصطناعي أفادوا بأنها ساهمت في تحسين إنتاجيتهم اليومية ولكن 42% منهم أعربوا عن مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات وهذا التناقض يوضح التحديات التي تواجه الشركات في موازنة الابتكار مع الشفافية والسلامة.
أما فيما يتعلق بالمستقبل فتشير التوقعات إلى أن سباق الذكاء الاصطناعي سيشهد منعطفًا جديدًا مع ظهور الجيل التالي من النماذج التي تعتمد على تقنيات أكثر تقدمًا مثل النماذج الهجينة التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي الرمزي والتعلم العميق. وقد أعلنت جوجل مؤخرًا عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار في تطوير مراكز البيانات المخصصة للذكاء الاصطناعي بحلول نهاية عام 2025 وهي إشارة قد يراها البعض رؤية طويلة الأمد للحفاظ على مكانتها في هذا المجال. في الوقت نفسه تعمل شركات مثل Anthropic وInflection AI على تطوير نماذج قادرة على فهم السياق بشكل أفضل قد تعيد تشكيل المنافسة في السنوات القادمة.