في عالم التكنولوجيا الذي يشهد تنافساً محموماً بين الشركات الكبرى، تواجه شركة جوجل تحديات قانونية قد تعيد تشكيل مستقبلها، حيث شارك سوندار بيشاي - الرئيس التنفيذي للشركة، في جلسة استماع أمام القضاء الأمريكي لمناقشة الاتهامات المتعلقة باحتكار خدمات البحث الإلكتروني. وخلال هذه الجلسة حذر بيشاي من أن الإجراءات المقترحة من قبل الحكومة الأمريكية لإجبار الشركة على مشاركة بياناتها مع المنافسين قد تؤدي إلى تدمير نموذج عمل جوجل ككل مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستفتح المجال أمام الشركات الأخرى لإعادة إنتاج تقنيات الشركة و"هندستها العكسية" بشكل كامل.
ويشير بيشاي إلى أن أي محاولة لإجبار جوجل على فتح خوارزميات البحث أو مشاركة بياناتها مع المنافسين ستعمل على إضعاف الحوافز المالية التي تمول الابتكارات المستقبلية مؤكدًا أن الشركة تستثمر سنويًا أكثر من مليار دولار في تطوير متصفح كروم وحده مع إجمالي استثمارات تجاوزت العشرات من المليارات على مدار العقد الماضي. هذا التوجه ينبع من رؤية الشركة التي ترى أن نجاحها لم يأتِ من خلال الممارسات الاحتكارية بل من خلال تقديم منتجات متفوقة تستحق ثقة المستخدمين.
من جانب آخر أظهرت البيانات الحديثة أن جوجل لا تزال تستثمر بكثافة في تطوير الذكاء الاصطناعي كركيزة استراتيجية لمستقبلها حيث كشفت مؤخرًا عن الجيل الجديد من نموذج Gemini الذي حقق نموًا ملحوظًا في عدد المستخدمين حيث ارتفع عدد المستخدمين النشطين شهريًا من 90 مليونًا في أكتوبر 2024 إلى 350 مليون مستخدم بحلول مارس 2025. هذا النمو يُظهر أن الشركة تسعى لتحويل خدمات البحث التقليدية إلى منصات ذكاء اصطناعي متقدمة وهو ما يتعارض مع الانتقادات التي ترى أن جوجل تستخدم هيمنتها السوقية لعرقلة المنافسة.
لكن الحكومة الأمريكية عبر وزارة العدل ترى أن الحل الوحيد لمعالجة الاحتكار هو ضمان تساوي الفرص بين الشركات من خلال فرض آليات لمشاركة البيانات وهو ما يتناقض مع رؤية جوجل التي تعتبر أن هذه الخطوة ستُفقِد الابتكار قيمته. وفي هذا السياق تُشير التقارير إلى أن منصة Google AI Overview والتي تعتمد على تقنيات جيميناي تجاوز عدد مستخدميها مليار شخص مع نمو سنوي يزيد عن 40% في استخدام Gemini API خلال النصف الثاني من 2024 هذه الأرقام تعكس مدى عمق تكامل جوجل مع الاقتصاد الرقمي العالمي لكنها في الوقت نفسه تُعزز موقف الجهات التنظيمية التي ترى أن هذه الهيمنة تتطلب تنظيمًا دقيقًا.
 |
| سوندار بيتشاي: وزارة العدل الأمريكية قد تقتل محرك بحث جوجل |
على الجانب الآخر تُظهر مقارنات مع منصات الذكاء الاصطناعي المنافسة أن جوجل لا تزال تواجه تحديات في الحفاظ على تفوقها حيث كشفت بيانات أن ChatGPT تمكن من الوصول إلى 400 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا بحلول فبراير 2025 مقارنة بـ35 مليون مستخدم يومي لـGemini. هذا الفارق يُظهر أن سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد محصورًا في الابتكار التقني فحسب بل يشمل أيضًا استراتيجيات الوصول إلى المستخدمين والتكامل مع التطبيقات اليومية.
في المقابل تؤكد جوجل أن أي تدخل حكومي في هيكلها الحالي قد يُضعف قدرتها على الاستثمار في التقنيات المستقبلية خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي حيث أعلنت الشركة مؤخرًا عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار إضافية في بناء مراكز بيانات متخصصة لهذا المجال بحلول نهاية 2025. هذا الاستثمار الضخم يُبرز التحدي المركب الذي تواجهه الشركة فكيف يمكنها موازنة التزامها بالابتكار مع الضغوط التنظيمية المتزايدة؟
في النهاية يبقى واضحًا أن قضية احتكار جوجل ليست مجرد معركة قانونية بل تمثل صراعًا بين نموذجين: الأول يرى أن الشركات الكبرى يجب أن تُترك حرة لتطوير تقنياتها دون تدخل والثاني يُشدد على ضرورة ضمان منافسة عادلة لحماية الابتكار على المدى الطويل. مع استمرار المحاكمات سيحدد القضاء الأمريكي إلى أي مدى يمكن للشركات التكنولوجية أن تُحافظ على سيطرتها في عصر الذكاء الاصطناعي وفي الوقت نفسه ستكشف السنوات القادمة ما إذا كانت استثمارات جوجل في الذكاء الاصطناعي كافية لمواجهة المنافسة المُتزايدة.